طوباكى يا مريم .. وما حملتيه فى قلبك بقلم : أنجيل رضا


عندما يأتى شهر أغسطس من كل عام و يحل فيه “صيام العذراء مريم القديسة البتول” يأتى فى ذهنى ما قاله القديس لوقا الإنجيلي ” وأما مريم فكانت تحفظ جميع هذا الكلام متفكرة به في قلبها ” ، وأجدنى أتأمل فى هذه الجملة والتى بحثت عن تفسير آبائى لها كثيرا ولم أجد سوى ما قاله القديس أمبروسيوس : من كلمات الرعاة تحصد مريم عناصر إيمانها.
ولكننى أجد هنا صفة “الصمت” والتى كثيرا ما كانت فضيلة قال عنها الآباء ومدح من أتقنها ، ولكن السيدة العذراء استكملت هذه الفضيلة بالحفظ وكتمان السرّ ، فها هى الحمامة الهادئة والتى عندما زارها الرعاة عبرت عن فرحتها بطريقتها فكانت تحفظ هذه الأحداث في خزانة قلبها ، وصارت تفكر فيها . هذا هو الصمت المقدس صمت اللسان بينما القلب يلهج في حفظ الأحداث والكلمات .
ورغم صعوبة السر والعيش به تحملته وحفظت كل شيء في قلبها ، فلا أعرف هل حفظها لهذه الأحداث ليهيئها للسيف الذى سيجوز فى قلبها !! أم لتتذكر هذه البشارة المفرحة ليهدئ من آلامها؟! ولم يكن من جواب سوى الصمت ، فقد مرت بآلام مبرحة كأم مكلومة تري ابنها وحيدها و إلهها حاملا صليبه في طريق آلامه وسقوطه أكثر من مرة تحت هذا الصليب القاسي ثم إكليل الشوك و السخرية منه وهو الرب الإله الوحيد و دق المسامير في يديه ورجليه ليرفع على عود الصليب ، حيث يعاني من آلام رهيبة لا توصف مع كل شهيق و زفير ليموت علي عود الصليب ثم يطعن بالحربة ، ورغم صعوبة كل ما تراه وهذا القلب الذى يحفظ كل صغيرة وكبيرة ينزف مع ابنها ، فكونها في حالة حزن شديد لا تتكلم طوال هذه الأحداث هذا هو المقبول رغم أنها تؤمن أنه قال إنه سيقوم .
ولكن مشاهد الآلام لا تفارق خيالها. وهذا لتنطبق النبوة كما جاءت فى إنجيل لوقا “وَأَنْتِ أَيْضًا يَجُوزُ فِي نَفْسِكِ سَيْفٌ، لِتُعْلَنَ أَفْكَارٌ مِنْ قُلُوبٍ كَثِيرَةٍ”( لو ٢ : ٣٥).
لعل كلمات سمعان الشيخ الملهمة بالروح القدس ظلت ترن في أذني القديسة مريم العذراء منذ ذهبت بالطفل يسوع إلى الهيكل بعدما تمت أيام تطهيرها حسب شريعة موسى … “وأنت أيضا يجوز في نفسك سيف” ورغم ما سمعت القديسة مريم من نبوات وتعظيم لمولودها الإلهي وكذلك التطويب والتكريم لشخصها ، إلا أن كلمات النبوة على فم ذاك الشيخ كانت سريعة التحقيق قبل أن تسمعها ومنذ قبولها البشارة بالميلاد الإلهي العجيب.
ولكن مع آلام هذا السيف الذي كان يجوز نفسها ، كان هناك إيمانها العظيم الذي سند قلبها فجعلها تتجاوز الآلام لتعيش الأمجاد مع ابنها وإلهها يسوع المسيح ملك المجد.
وظلت هذه القديسة في صمتها العجيب وترقبها الهادئ ، تئن بلا صوت لطعنات ذلك السيف القاسي في قلبها كأم حنون . ولكن وفي نفس الوقت كانت تعظم نفسها الرب وتبتهج روحها بالله مخلصها (لو ١ : ٤٦ – ٤٧). لقد لخصت قبولها لهذا الأمر في إجابتها على الملاك المبشر جبرائيل ” هوذا أنا أمة الرب ” ( لو ١ :٣٨).
فى النهاية نقول طوبى لإيمانك كما شهدت لكى أليصابات بالروح القدس “طوبى للتي آمنت أن يتم ما قيل لها من قبل الرب” (لو ١ : ٤٥). آمنت بالميلاد العذراوي من الروح القدس وهو أمر عجيب لم يحدث من قبل وتم ما قيل لها.. وآمنت أن ابنها سوف يخلّص شعبه من خطاياهم ، وأنه سوف يقوم في اليوم الثالث كما وعد تلاميذه ، وبهذا يملك إلى الأبد..
طوباك أنتِ يا من ارتفعتِ فوق جميع القديسين في إيمانك المُتّشِح بالتواضع وإنكار الذات.. اشفعي فينا أمام ابنك الوحيد ليصنع معنا رحمة كعظيم رحمته.

Leave a Comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Scroll to Top