الأنبا باخوميوس …نحميا و العمل الايجابي

تكلمنا كيف قاد نحميا حركة رجوع شعب الله من أرض بابل بعد السبي وكيف قادهم ليكملوا بناء أسوار مدينة أورشليم.. وكيف تعرضت رسالة نحميا لكثير من المعطلات التي ربما كانت قادرة أن تعطل خدمته وتعرض رسالته للفشل، لكن نحميا كأحد خدام الكتاب المقدس قدم لنا مثلاً حياً في العمل الإيجابي، وكيف يجب أن نتمم عملنا ورسالتنا بأمانة وإيجابية دون أن تعرضنا المعطلات للفشل. منهج نحميا الإيجابي منهج هام يمكننا أن نستخلص منه بعض الدروس الروحية الهامة لحياتنا وخدمتنا:

1. لم يستسلم نحميا أمام ما قابله من معطلات سلبية لخدمته بل احتفظ بروحاً إيجابياً ولم تصغر نفسه بسبب المعطلات الكثيرة. تكلم عليه صفوف الأعداء- سنبلط وطوبيا ومن معهم – بعد أن استطاع الشعب أن يكمل العمل حتى اتصلت أسوار المدينة “إذا صعد ثعلب فإنه يهدم حجارة حائطكم” ( نح 4: 3 ) كانت الكلمات محبطة وتحمل معني السخرية والاستهزاء.. وهكذا يحارب عدو الخير كل أولاد الله بخطية صغر النفس وهناك من يستسلم لصغر النفس ويتوقف عن العمل. هناك من يرفض أن يتجاوب مع صغر النفس ويتمسك بإيمانه وقوته ويواصل العمل.. الاستجابة لمحاربات الشيطان بصغر النفس خطية تكشف ضعف إيمان الانسان بقوة عمل الله معه. وحرب صغر النفس قد تأتي من داخل الأسرة فيعطلنا من هم معنا في أسرنا، وقد تأتي من داخل الكنيسة فيحبطنا الخدام المشاركين لنا في الخدمة وينتقدوا كل ما يصنعه الأخرين، وقد تأتي من الغرباء كما حدث مع نحميا.
نعم من يثير حرب السخرية والاستهزاء بالإنسان هو يقع في خطية لأنه يتسبب في احباط غيره وتحطيمه واعثاره، لكن الاستسلام لمشاعر صغر القلب هي أيضا خطية .. لذلك علينا كمؤمنين ألا نستصغر أو نستهين بأي عمل صغير يقدم أو أي جهد بسيط يبذل فالرب يسوع قيل عنه: ” قصبة مرضوضة لا يقصف وفتيلة مدخنة لا يطفيء ” (مت 12: 20 ) كما يعلمنا الكتاب المقدس ” شجعوا صغار النفوس ” (1تس 5: 14) كما يجب علينا أيضا ألا نسمح لأنفسنا أن ينطفيء حماسنا بسبب أي تعليقات متعبة .

2. اهتم نحميا بفكرة وحدانية القلب: فقد أشرك نحميا كل الشعب في العمل وقام كل واحد لبناء السور أمام بيته وبذلك استطاع الشعب أن يكمل بناء الأسوار” فبنينا السور واتصل ككل السور إلى نصفه ” (نح4: 6) ..وهكذا أيضا فعندما تشترك الأسرة أو الخدام وكل شعب الكنيسة في كل أمورهم بقلب واحد وهدف واحد ورأي واحد، فإن هذا يحفظ بيوتنا وخدماتنا وكنيستنا .

3. كان نحميا يشجع نفسه والشعب بالوعود ” نظرت وقلت للعظماء لا تخافوهم بل اذكروا السيد العظيم المرهوب ” (نح4:14 ) لم يعتمد نحميا على أسلحة الشعب لكن على الرب العظيم المرهوب.. كذلك نحن في أسرنا وكنائسنا علينا أن نتمسك بإلهنا القوي المرهوب لا على قوتنا الشخصية أو امكانياتنا البشرية فقط. علينا أن نرسل لمن معنا كلمات مشجعة “لا تخافوهم .. بل اذكروا السيد العظيم المرهوب” لنتذكر الرب ووعوده ونجعله دائما أمام أعيننا في كل الأمور التي تعاكسنا كما قال داود النبي: “جعلت الرب أمامي في كل حين ”

4. كان نحميا يشرح دائما الدافع وراء استمراره في العمل “حاربوا من أجل أخوتكم وبنيكم وبناتكم … الخ ” (نح4: 14 ) فلا نكتفي بمعونة الرب بل لنتشجع لنكمل جهادنا لننال الملكوت السماوي.

5. اهتم نحميا بفكرة التكامل في العمل: كان نحميا يحمل إحساساً قوياً بالمسئولية وكان على الشعب أن يقابل احساسه هذا بالخضوع الأمين له.. فقال لشعبه ” في المكان الذي تسمعون منه صوت البوق هناك تجتمعون إلي إلهنا يحارب عنا ” ( نح4: 20) فكان نحميا يمثل القيادة الأمينة وكان يؤكد لشعبه ضرورة الخضوع الأمين، فكان يوازن دائما بين كل من العمل الإنساني ( تجتمعون ) والحماية الإلهية ( إلهنا يحارب عنا ).. هكذا الكنيسة في صلاة الإكليل توصي الزوجة بالخضوع وفي المقابل توصي الزوج بأن يحب زوجته .

6. جدية العمل : سفر نحميا كله يشرح حالة من الجدية في العمل ” كانوا يعملون من طلوع الفجر إلى ظهور النجم يشتغلون” وهكذا استطاعوا أن يكملوا مهمتهم بنجاح .. يذكر السفر عن الشعب “ولم نكن نخلع ثيابنا، بل كان كل واحد يذهب إلى الماء بسلاحه ” ( نح4: 23) كذلك علينا دائما أن نكون جاديين في روحياتنا وخدماتنا ونحرص أن نكون ساهرين روحياً مستعدين دائما متمتعين باليقظة الروحية والوعي الروحي .

7. اخيراً لم يقبل نحميا أن يبرر لنفسه أي تهاون أو تراجع أو يجد لنفسه الأعذار .. كان يمكنه أن يجد الكثير من المبررات للتخلي عن رسالته لكنه لم يلتمس لنفسه أي عذر، بل كان أميناً أن يذلل كل العقبات من أجل أن ينجح في خدمته ورسالته.
هكذا.. لنكون أمناء ولا نقبل أن نتعلل بأعذار أو مبررات قد تفقدنا بركة العمل أو الخدمة. لندوم دائما فعلة أمناء في كرم الرب ونستحق أن نستمع لصوته “نعماً أيها العبد الصالح والأمين .. كنت أميناً”

Leave a Comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Scroll to Top